السبت، 28 مارس 2015

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (26-31): لما خلق الله الجنة والنار

                                بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الجنة تحتاج إلى ضبط لأنها حفت بالمكاره :
أيها الأخوة الكرام، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت إلى أهلها فيها، قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله إلى أهلها فيها فقال: فرجع إليه، قال: فبعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها - شيء رائع - فأمر بها فحفت بالمكاره))
[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]
الجنة تحتاج إلى ضبط، ضبط كسب المال، ضبط إنفاق المال، ضبط العين، ضبط الأذن، ضبط اللسان، ضبط اليد، ضبط المواقف، أن تختار زوجة صالحة، أن تربي أولادك تربية إسلامية، أن تعطي مما أعطاك الله، أن تصلي، أن تجاهد نفسك وهواك.
((فأمر بها فحفت بالمكاره، قال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد))
[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]
الجنة رائعة لكن حفت بالمكاره، والناس أميل إلى الأشياء المريحة، إلى الاسترخاء، إلى الطعام والشراب والشهوات والمتع والكسل.
((فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد ـ لأنها حفت بالمكاره ـ قال: اذهب إلى النار، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات))
[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]
النساء الجميلات، والطعام الطيب، والمركبات الفارهة، والمناصب الرفيعة، والسيطرة على العالم كما تسمعون، والعنجهية، والغطرسة، وإذلال الآخرين، قوة، وأضواء الإعلام، والشهرة.
((فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع إليها، فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد))
[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]
العاقل هو الذي يصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه :
الآن أنت انظر إلى النساء في الطريق الكاسيات العاريات، هذه الأصناف من النساء ماذا ينتظرها عند الله؟ انظر إلى الذين يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة، انظر إلى الذين يتاجرون بأعراض النساء، انظر إلى من يفتتح الملاهي ودور اللهو والنوادي الليلية، انظر إلى المقامرين و من يفتتح دور القمار، هناك دخول فلكية من المعاصي، دور القمار والملاهي والربا، هذه كلها طرق إلى النار.
((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات))
[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]
لذلك العاقل هو الذي يصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه، والقاعدة كما قال عليه الصلاة والسلام:
((ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بسهوة))
[البيهقي في شعب الإيمان عن أبي البجير ]
أي استرخاء، كُلْ ما تشاء، اجتمع مع من تشاء، انظر إلى من تشاء، تكلم ما تشاء، أعطِ كل شهواتك حظوظها، لا تتقيد بشيء حر، أنت واقعي، واقعي وحر، ويجب أن تعرف كل شيء، تعلموا السحر ولا تعملوا به، هذا ليس حديثاً أصلاً، هذا فرية من الشيطان، يحب أن يرى كل شيء، أن يستمع إلى كل شيء، أن ينظر إلى كل شيء، أن يجرب كل شيء:
((ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بسهوة))
[البيهقي في شعب الإيمان عن أبي البجير ]
العبرة بالعاقبة :
العبرة العاقبة.
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
[ سورة القصص: 83]
لما خرج قارون على قومه بزينته.
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القصص: 79]
لن تكون مؤمناً إلا إذا كان شعورك بالفوز بطاعة الله لا بأموال الدنيا، المال قوام الحياة، لكن إذا وصلك المال لا يختل توازنك، بل وظفه في طاعة ربك.
مستويات الجنة :
أيها الأخوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله تعالى يقول لأهل الجنة – يخاطبهم، هم يرون ربهم يوم القيامة - هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربي وأي شيئاً أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا))
[البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ]
معنى هذا أن بالجنة ثلاثة مستويات، في الجنة طعام وشراب:
﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴾
[ سورة الصافات: 42]
وهناك:
﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾
[ سورة الحاقة: 23]
و:
﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾
[ سورة محمد: 15]
و:
﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾
[ سورة محمد: 15]
و:
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ﴾
[ سورة فصلت: 31]
و:
﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾
[ سورة الواقعة: 22]
هذا مستوى: المستوى الأعلى النظر إلى وجه الله الكريم:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
[ سورة يونس: 26]
الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
مودة الله لأهل الجنة إكرام ما بعده إكرام :
في الجنة أيها الأخوة المستوى الأول أن تستمتع بما فيها من طعام وشراب وحور عين:
﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾
[ سورة الواقعة: 23]
في الجنة نظر إلى وجه الله الكريم:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾
[ سورة القيامة: 22]
ناضرة ؛ متألقة.
﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
[ سورة القيامة: 23]
المستوى الثالث.
﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[ سورة التوبة: 72]
للتقريب، إنسان دخل لبيت، شيء رائع، طعام نفيس، أكل حتى شبع، فواكه طيبة طازجة، شراب نفيس، أرائك مريحة، مناظر جميلة، إطلالة رائعة، لكن لا يوجد أحد في البيت، أكل وشرب، لكن صاحب البيت له شكل يأخذ بالألباب، لون وشكل وجاذب، الآن استمتع فضلاً عن الطعام والشراب بهذه الطلة البهية، لكن لا يوجد حديث بينهما، المرحلة الثالثة: هذا صاحب البيت قال له: يا أهلاً وسهلاً، نحن سعداء بوجودك، الحقيقة مودة صاحب البيت أبلغ من أي إكرام، المودة، مودة الله لأهل الجنة، الله عز وجل يسلم عليهم:
﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾
[ سورة يس: 58]
يسلم على عباده المؤمنين، ينظرون إليه، ويسلم عليهم، ويحفهم بعنايته، لذلك بالجنة ثلاثة مستويات: مستوى المتع الأولى، ثم مستوى النظر إلى وجه الله الكريم، ثم مستوى الرضوان من الله عز وجل.
الجنة حفت بالمكاره و النار حفت بالشهوات :
بقي أيها الأخوة حديث سأرويه رواية فقط: أخرج الإمام الترمذي في جامعه من حديث سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة:
(( أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة - ليس سوق الجمعة في سوق الجنة - فقال سعيد: أفيها سوق؟ - الجنة فيها سوق – قال: نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم وما فيها من دني على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلساً، قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر، قلنا لا، قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم كذا وكذا فيقول: يا رب أفلم تغفر لي، فيقول: بلى فسعة مغفرة بلغت بك منزلتك هذه، فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيء قط ويقول ربنا تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب))
[الترمذي عن سعيد بن المسيب]
ألم يقل الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
قال:
((فيحمل لنا ما اشتهيناه ليس يباع فيه شيء، ولا يشتري في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً، قال: فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن: مرحبا وأهلا بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار تبارك وَيَحِقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا ))
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
ولكن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
                                      والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (22-31): أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني

                              بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ثقة الإنسان بالله هي رأسماله :
أيها الأخوة، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من كتاب التوبة:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
[مسلم عن أبي هريرة]
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
لو أن الإنسان استغفر الله وهو يشعر أن الله لن يغفر له، لن يغفر له، ينبغي إذا استغفرت الله أن تظن بالله ظناً حسناً أنه يغفر لك، وينبغي إذا دعوته أن تظن به ظناً حسناً أنه يستجيب لك، وينبغي إن تبت إليه أن تظن به الظن الحسن فتعتقد أنه يتوب عليك، والحقيقة ثقة الإنسان بالله رأسماله، الله عز وجل يعلم السر وأخفى، يعلم ما تبديه وما تخفيه، وما يخفى عنك أنت، فالإنسان حينما يدعو الله عز وجل ويشعر أن الله لن يغفر له لن يغفر له:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
ينبغي أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إلا ليتوب عليك، فهذه ثقة الإنسان بالله عز وجل، وحينما تضع ثقتك بغير الله تقع في الشرك، وحينما تيأس من روح الله وقعت في الكفر.
الله عز وجل يؤدب المسلم لكن لا يتخلى عنه :
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف حينما ردّه أهلها شر رد، وسخروا منه، وكذبوه، ونالوه بالأذى، عاد لمكة، قال له زيد: يا رسول الله كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك؟ قال: إن الله ناصر نبيه، هذه ثقة النبي بالله، في الهجرة أهدر دمه، ووضع مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ومع ذلك تبعه سراقة فقال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ كان عليه الصلاة والسلام واثقاً أنه سيصل إلى المدينة سالماً، وسيؤسس دولة، وسترسل جيوش إلى أضخم مملكة وقتها، وسوف يهزمها وتأتيه كنوز كسرى! ونحن الآن في أمس الحاجة إلى هذه المعنويات، لأن الناس قد جمعوا للمسلمين وهددوهم، فلا ينبغي للمسلم أن يصدق كلام هؤلاء، الله عز وجل يؤدبنا لكن لا يتخلى عنا.
تروي الكتب أن إنساناً يطوف حول الكعبة ويقول: رب اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل، وراءه رجل صالح قال له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله؟ قال: ذنبي عظيم، قال: ما ذنبك؟ قال: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، دخلت أحد البيوت فرأيت فيها امرأة ورجلاً وطفلين فقتلت الرجل وقلت لامرأته أعطني كل ما عندك، فأعطتني ما عندها، فقتلت ولدها الأول، فلما رأتني جاداً في قتل الثاني أعطتني درعاً مذهبة أعجبتني، تأملتها فإذا عليها بيتان من الشعر قرأتهما فوقعت مغشياً عليّ، كتب على هذه الدرع:
إذا جار الأمير وحاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثـم ويـل لقـاضي الأرض من قاضي السماء
***
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
ينبغي أن تظن يقيناً أنك إذا استغفرته يغفر لك، وإن دعوته أجابك، وإن تبت إليه تاب عليك، وما أمرك أن تدعوه إلا ليلبيك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك.
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
[ سورة النساء: 27 ]
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
معية الله أثمن شيء يملكه الإنسان :
لكن حسن الظن بالله ثمن الجنة، والله عز وجل وصف بعض الناس بأنهم الظانين بالله ظن السوء، ظن السوء دليل ضعف الإيمان، والإنسان إذا قال: المسلمون انتهوا في العالم لأن هناك حرباً عالمية ثالثة معلنة عليهم لا قبل لهم بها:
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾
[ سورة الطارق: 15-17]
إن الله يؤدبنا.
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
[ سورة القصص: 5-6]
قال:
((...وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي ))
[مسلم عن أبي هريرة]
هذه معية الله الخاصة، معيته هي أثمن شيء تملكه، فهو يحفظك، ويوفقك، ويكيد لأعدائك بالحفظ، والتوفيق، والنصر، والتأييد، هذه المعية الخاصة:
((...وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي ))
[مسلم عن أبي هريرة]
الله عز وجل مع المؤمن بالتوفيق والحفظ والتأييد والنصر :
لذلك ذِكر الله كما قال عنه النبي أفضل شيء، يقول عليه الصلاة والسلام:
((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ))
[الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ]
إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني كفرتني، ما معنى قوله تعالى:
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
[ سورة آل عمران: 102 ]
أن تذكره فلا تنساه، وتشكره فلا تكفره، وتطيعه فلا تعصيه. وَأَنَا مَعَهُ؛ معه بالتوفيق، والحفظ، والتأييد، والنصر، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
إن لم يجدها فهو هالك لا محالة، إن وجدها ردت إليه روحه، لذلك في بعض الأحاديث أن أعرابياً فقد ناقته فبكى حتى أدركه النعاس استيقظ فإذا ناقته أمامه، فاختل توازنه وقال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي! فقال عليه الصلاة والسلام: لله أفرح بتوبة عبده من ذاك البدوي بناقته! قدم النبي صورة رائعة، فقد الناقة يعني الموت، ووجدانها بعد أن فقدت يعني الحياة، من شدة الفرح اختل توازنه:
((... لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
كلّ أعمال البر هي قرض حسن لله عز وجل :
الآن: أي حركة نحو الله يقابلها معاملة لم تكن في الحسبان:
((... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
لا يوجد إلا الله، هذه الكلمة عميقة جداً، كلما تقع عينك على أقوياء وطغاة وأموال كل هذا بيد الله، إذا كنت معه كان معك، إن اتقيته خلق لك مخرجاً من كل ضائقة:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
[ سورة الطلاق: 2 ]
((... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ...))
[مسلم عن أبي هريرة]
أنت قربت خطوة، الله عز وجل يساوي إكراماً لك آلاف الخطوات:
(( ... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
[مسلم عن أبي هريرة]
هذا شيء معروف، أي عقد صلح مع الله، أو خطب ود لله، أي عمل صالح، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
[ سورة البقرة: 245 ]
إن أطعمت جائعاً فأنت أقرضت الله قرضاً حسناً، إن دللت ضالاً فقد أقرضت الله قرضاً حسناً، إن دعوت إلى الله عز وجل فقد أقرضت الله قرضاً حسناً، كل أعمال البر هي قرض حسن لله عز وجل، إن أطعمت كلباً، أو رحمت بهيمة، إن تلافيت أن تدوس على نملة، كل هذا محفوظ عند الله، هذا قرض لله عز وجل.
الأحاديث القدسية من
صياغة النبي لكن المعنى من الله عز وجل :
أعيد الحديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
[مسلم عن أبي هريرة]
أيها الأخوة: هذه الأحاديث القدسية من صياغة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن المعنى من الله عز وجل، إما أن المعنى ألقي في روع النبي، أو رآه في المنام، أو جاء به جبريل، فلذلك لها طعم خاص ورائحة خاصة، أنت حينما تقرأ حديثاً قدسياً تشعر أن الله يخاطبك وقريب منك، يا موسى أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني.
                                     والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (18-31): إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين

                                بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله تعالى حرك الصحة و الرزق ليكونا وسيلتين لتربيتنا :
أيها الأخوة المؤمنون، مما يلفت النظر في خلق السماوات والأرض أن هناك عدداً لا يحصى من القوانين الثابتة، واقعة في كل زمان ومكان، إلا أن الله سبحانه و تعالى حرك شيئين ليسا ثابتين، قضية الرزق و قضية الصحة، أما دورة الأفلاك فثابتة، يمكن أن تعلم بعد ألف و ثمانمئة عام في أية دقيقة تشرق الشمس، فدورة الأفلاك بشكل دقيق إلى درجة لا تصدق، بل إن هذه الساعة التي يتحدث الناس عنها -ساعة لندن- تضبط على نجم، فقط تقصر في العام ثانيتين أو أكثر، ما الذي يضبط تأخرها أو تقدمها؟ حركة نجم، فحركة الأفلاك في الكون ثباتها عجيب، ثبات القوانين عجيب، ثبات خصائص البذور عجيب، كل شيء مقنن و ثابت في هذه الحياة إلا أن الرزق يتبدل، قد تأتي أمطار و قد لا تأتي، و قد تكون صحة و قد لا تكون، فالذي ثبته الله عز وجل من أجل استقرار الحياة، و الذي حركه من أجل تربيتنا، فالله سبحانه و تعالى حرك الصحة و حرك الرزق من أجل أن تكونا وسيلتين لتربيتنا، فلما مرّ النبي عليه الصلاة و السلام على ابنته فاطمة و قد أصابتها حمى قال: "مالك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله، قال: لا تلعنيها فو الذي نفس محمد بيده ما تدع المؤمن و عليه من ذنب".
يقول عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح:
((أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا))
[متفق عليه عن عائشة ]
المصائب للمؤمن تكفير لخطاياه وتقريب من الله تعالى :
المؤمن بالذات جميع أنواع المصائب هي تكفير لخطاياه، وتقريب من الله عز وجل، الحديث القدسي أخرجه الإمام مالك في الموطأ:
((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟...))
[ مالك عن عطاء بن يسار]
عواده: زواره، عاد مريضاً فهو عائد جمعه عواد.
((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله عز وجل، وهو أعلم فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأكفر عنه سيئاته))
حدثني أخ طبيب بمستشفى قال: جاءهم مريض مصاب بورم خبيث في أمعائه، وآلام الورم الخبيث في الأمعاء لا تحتمل، قد يعطى أشد أنواع المسكنات، ومع ذلك يصيح صياحاً يسمعه من حوله لمئتي متر من شدة الألم، جاءهم مريض مصاب بورم خبيث في الأمعاء، لكن هذا المريض له حال عجيب أي كلما دخل عليه زائر، أو ممرض، أو طبيب، استقبله بوجه باش وقال: يا رب لك الحمد على قضائك وقدرك، اشهد أيها الأخ الكريم أنني راض عن الله، ما إن يقرع الجرس حتى يتدافع الممرضون لخدمته، والأطباء لا يتركونه أبداً، ومن دخل إلى هذه الغرفة شعر براحة عجيبة، وهذا المريض لا يفتأ أن يقول: يا ربي لك الحمد، أنا راض عنك، وإذا جاءه عائد يقول له: اشهد أنني راض عن الله، بعد أيام توفاه الله عز وجل لحكمة بالغة، ولأن الله يريد أن يُعلّم عباده جاء مريض آخر مصاب بالمرض نفسه، وجلس في الغرفة نفسها، ولم يدع نبياً إلا سبه، وكفره في الدقيقة عشرات المرات، وله رائحة لا تقابل، والموظفون في المستشفى يتهربون من خدمته إلى أن فطس.
سبحان الله! مرض واحد في مستشفى واحدة في غرفة واحدة في فريق عمل واحد، رأوا بوناً شاسعاً بين مرض المؤمن ومرض الكافر، المؤمن يرقى بالمرض: "لا تلعنيها فو الذي نفس محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب".
((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله عز وجل، وهو أعلم فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأكفر عنه سيئاته))
الصبر عند الصدمة الأولى :
(( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر وكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لغير المؤمن ))
[ أخرجه أحمد في مسنده عن صهيب ]
إن لم تصبر ماذا تفعل؟ الصبر أيها الأخوة عند الصدمة الأولى، الذي لم يصبر ويتكلم كلاماً فيه سوء أدب مع الله عز وجل، بعد حين يضطر أن يصبر، لأن هذا قدر الله عز وجل، لكن خسر الأجر، أما الذي يقول: الحمد لله على كل حال - وهذا شعار المؤمن- قد تأتيه المصيبة فيحمد الله عليها.
إذا أحبّ الله عبده ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن شكر اقتناه.
من يؤمن بالله لا يقضي الله له إلا بالخير :
وقد أخرج ابن ماجه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم:
((عَادَ مَرِيضًا وَمَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ وَعْكٍ كَانَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ النَّارِ فِي الآخِرَةِ ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
وعك: مرض كان به. الحمى خفيفة أمام جهنم خفيفة جداً، فإذا أصابته حمى وارتفعت حرارته إلى الأربعين هذا حظه من نار جهنم فإن الله يقول:
(( هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ النَّارِ فِي الآخِرَةِ ))
أنت حينما تؤمن لا يقضي الله لك إلا بالخير، ليس في الإمكان أبدع مما كان، قال تعالى:
﴿ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
[ سورة آل عمران: 26 ]
الآن أبلغ من المرض إنسان مرض ابنه وتوفي، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ))
[الترمذي عن أبي موسى الأشعري]
استرجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، استرجع هذا اشتقاق من نوع خاص كأن تقول: استرجع أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون، كبر: قال: الله أكبر، هلل قال: لا إله إلا الله، حوقل قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، دمعز قال: أدام الله عزك.
((... فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ))
[الترمذي عن أبي موسى الأشعري]
شعار المؤمن الحمد لله رب العالمين :
لذلك شعار المؤمن: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على وجود الله، والحمد لله على قضاء الله وقدره، كلمة دقيقة جداً لا يمكن أن يقضي الله لعبد مؤمن إلا بالخير، قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة البقرة: 155-157 ]
وليس من إنسان إلا ويبتليه الله عز وجل لكن أنواع الابتلاء كثيرة جداً.
أيها الأخوة، بين أن تنجح وتكبر في عين الله، وبين أن تسقط فتسقط من عين الله، أن تقول: الحمد لله، وهناك من لا يقول الحمد لله، يقول: ماذا فعلنا؟ يعترض على قضاء الله وقدره.
إنسان عنده زوجة توفيت لها أخت معمرة وبلا زوج قال لو أخذت هذه.
هناك من يعترض على قضاء الله وقدره.
المؤمن راض عن الله في كل الأحوال :
أيها الأخوة، المؤمن راض عن الله، قال: يا رب هل أنت راض عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، إنسان يطوف حول البيت قال: يا ربي هل أنت راض عني؟ فقال له الإمام الشافعي: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله من أنت؟ قال: أنا محمد بن إدريس، قال: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ هذا الكلام غير معقول، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
أنا أصدقكم أن بعض الصحابة الكرام كان إذا مات ابنه يتزين ليشعر من حوله أنه راض عن الله، والبطولة أن ترضى بمكروه القضاء، لكن كل الناس إذا جاءهم المال وفيراً يقولون: الله فضّل عليّ، أقل الناس إيماناً أبعدهم عن الله إذا جاءتهم النعم يشكرون، لكن المؤمن وحده إذا جاءته المكاره يشكر بالمكاره، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين".
                        والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (19-31): ثواب القرآن الكريم- يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة

                                    بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله تعالى خلق السموات والأرض ونورهما بالشمس :
أيها الأخوة الكرام، مما يستفاد من قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
[ سورة النور: 35 ]
أي أن الله خلق السموات والأرض، ونورهما بالشمس، والمعنى الأقوى: ونورها بالوحي، فأنت في حياة دنيا، الله عز وجل تفضل على عباده، وبين لهم علة وجودهم وغاية وجودهم، وماذا بعد الموت، وماذا في الماضي السحيق، بيّن لهم كل شيء، فالله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نور الحياة، لذلك ورد اسم القرآن الكريم بأنه نور قال تعالى:
﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾
[ سورة النساء: 174 ]
وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، أي ما من كتاب في حياة الإنسان يعلو على القرآن، ما من كتاب حقائقه قطعية مئة بالمئة إلا القرآن، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما من كتاب من دفته إلى دفته هو صدق وعدل، لا تزيد آيات القرآن على أن تكون خبراً فهي صادقة، وعن أن تكون أمراً فهي عادلة.
القرآن الكريم من أي جانب أخذه الإنسان يسعد :
لذلك ورد في بعض الأحاديث القدسية فيما أخرجه ابن ماجه في سننه في باب ثواب القرآن الكريم:
((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ))
[ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري]
وفي رواية: اقرأ و ارقَ. من أوتي القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظمه الله.
أيها الأخوة، هذا القرآن الكريم من أي جانب أخذته تسعد، إن أخذت القرآن من تجويده وتلاوته يرفع الله لك شأنك في الحياة، إن أخذته من باب فهم معانيه وتفسيره، إن أخذته من تدبره وتطبيقه، من أية زاوية أخذت القرآن هو لك نور وضياء ودرجات علا في الجنة، إذاً: يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه.
الحقيقة أن الناس - وهذه مشكلة كبيرة - مخزونها غير قرآني وغير نبوي، مخزون أخبار، أخبار الفنانين والفنانات، الأحياء منهم والأموات، مخزون حوادث، مخزون صناعة، مخزون مخترعات، يحدثك ساعات طويلة على أنواع السيارات، وميزات كل سيارة، و ينبهك هذه وإن كانت ألمانية لم تصنع في ألمانيا صنعت في البرازيل، فالأخ مستوعب كل أمور السيارات، أو مستوعب كل أمور لعبة الكرة واللاعبين، ودخل اللاعبين، وانتقال اللاعبين من فريق إلى فريق، ويتابع أخبار الرياضة وكأنها دين قد يستوعب كل الفنانين والممثلين، هذه مشكلة، هذا الوعاء بما ملئ؟ المؤمن يملأ من القرآن، مستوعب آيات القرآن، وأحكام القرآن، وقصص القرآن، ومواعظ القرآن، والآيات الكونية في القرآن، والحلال الذي أحله القرآن، والحرام الذي حرمه القرآن، وكل آية له منها بحث ودرس، فجوف الإنسان إذا ملئ قرآناً كان من سعداء الدنيا والآخرة، أما أن يملأ من السخافات، والضلالات، والشبهات، والشهوات، وما يشغل الناس، فقد خسر.
القرآن ربيع القلوب و منهج الإنسان :
أخوتنا الكرام، إن شعرت بالغربة فأنت مؤمن ورب الكعبة، لأن:
(( إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ))
[ سنن ابن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك ]
إن شعرت أنك غريب عمن حولك فأنت مهتم بالقرآن، مهتم بهذا المنهج القويم الذي جاء به النبي الكريم، مهتم بآخرتك، مهتم بمكارم الأخلاق، مهتم بهموم المسلمين، تتمنى لهم الفوز والنصر، وآخرون مهتمون بموضوعات أرضية، قال تعالى:
﴿ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
[ سورة الأعراف: 176 ]
أيها الأخوة، الحديث عن القرآن حديث طويل، على كلٍّ:
(( من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت))
[ ورد في الأثر]
التقيت بابن أحد علماء مصر في مؤتمر في المغرب قال لي: والدي كان شيخ الأزهر، عمر أبي عندما مات كان مئة وثلاثين عاماً وكان متمتعاً بكل قواه العقلية والجسمية، وجوارحه وحواسه:
(( من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت))
[ ورد في الأثر]
هذا القرآن ربيع القلوب، منهج الإنسان، ما من كتاب تقرأه فتعبد الله كالقرآن، يقرأ تعبداً، ومستحيل وألف ألف مستحيل لجوف حوى القرآن أن يحوي معه الغناء مستحيل:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ))
[ سنن أبي داود عن أبي سعيد ]
والمؤمن يطرب لسماع القرآن كما يطرب أشد الناس تعلقاً بأغنية يحبونها، أي طرب المؤمن بالقرآن الكريم يفوق ملايين المرات طرب أشد الناس تعلقاً بالقرآن.
الابن هو صدقة جارية لأبيه إلى يوم القيامة :
حديث آخر هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه في باب بر الوالدين:
(( إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول أنا هذا فيقال باستغفار ولدك لك))
[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
صار معنا حديثان؛ الأول: أنك ترقى بكل آية تقرأها، وتحفظها، وتتقن تلاوتها، وتفهمها، وتتدبرها، وتطبقها، كل آية ترقى درجة، الآن ابنك الذي من صلبك الذي ربيته على كتاب الله، ربيته على قيم الدين، ربيته على العقيدة الصحيحة، ربيته على الوجود في المساجد، ربيته على إعمار المساجد، هذا الابن هو صدقة جارية لك إلى يوم القيامة.
صدقوا أيها الأخوة، ما من عمل - وأنا أعني ما أقول- يفوق عند الله كعمل أن يكون ابنك امتداداً لك، أن تربي ابنك على ما أنت مؤمن به، ما أنت مهتم له، ما أنت ساع من أجله.
(( إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول أنا هذا فيقال باستغفار ولدك لك))
[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
حدثني أخ قال لي: أنا نشأت في أسرة متفلتة أشد التفلت، بل تبيع الخمر، جدي وأبي وأنا نبيع الخمر، يكسبون أرزاقهم من المقاصف، ومن النوادي الليلية، والمراقص، والملاهي، وما إلى ذلك، هذا الأب الذي حدثني تاب الله عليه، وتاب إلى الله عز وجل، قبل أن يتوب على الله له ابن صالح، كل معطيات البيئة لا تدعو أن يكون ابنه صالحاً، ولكن الابن كره بيئة أسرته، وهذا الانحراف، وهذا البيع للخمر، وهذه المقاصف، وما فيها من معاص وآثام، أقسم لي بالله أن ابنه كان يصلي الليل بالقرآن، وكان ولياً في بيئة من أشد البيئات انحطاطاً، قال لي: كلما كان يصلي أضربه، هو يبيع الخمر لماذا الصلاة ؟ كلما رآه يصلي يضربه، والابن ساكت إلى أن تاب الله على الأب، فكان عند الابن توبة الأب عيد، وكان هذا الابن بأخلاقه واستقامته وتطبيقه لمنهج الله عز وجل أحد أسباب توبة والده.
قصة ثانية:
امرأة أيضاً متفلتة جداً من ملهى إلى ملهى، ابنها يقيم في أمريكا، تزوج امرأةً من أمريكا مسلمة، فجاءت هذه المرأة إلى الشام، ما الذي حمل الأم على أن تتوب من الفن ومن التمثيل ومن الاختلاط والسهر حتى الفجر في الملاهي؟ رأت هذه الإنسانة المسلمة الأمريكية تصلي الليل، تتحجب، تتصدق، فصغرت أمامها.
مبدئياً أنت حينما تقدم للمجتمع ابناً صالحاً هذا عمل يفوق كل شيء، وإذا توفى الله الإنسان كلما عمل ابنه عملاً صالحاً ارتقى درجة في الجنة، ممَ هذا يا رب؟ يقول له: من استغفار ولدك لك، لكن بالمقابل الولد الصالح يمكن أن يكون سبباً لهداية والديه.
المؤمن في الجنة يرقى بالقرآن ويرقى بتربية أولاده :
أنا أوجه الكلام الآن إلى نموذجين؛ إلى ابن صالح بالإحسان، والصبر، والحلم، وامتصاص الغضب، والخدمة المخلصة، يمكن أن تأخذ بيد أمك وأبيك إلى طريق الحق، وأنت إذا ربيت ولداً صالحاً فكل أعماله في صحيفتك.
شيء يلفت النظر أن المؤمن في الجنة يرقى بالقرآن آية آية، ويرقى بتربية أولاده موقفاً موقفاً، ويوماً بيوم، فاحرصوا على تربية أولادكم.
ككلمة أخيرة لم يبقَ - وكلامي دقيق- في أيدينا نحن المسلمون من ورقة رابحة إلا أولادنا، أي فقدنا كل شيء؛ بقي ، وأولادنا يعني مستقبلنا، مستقبلنا هو من صنع أولادنا، أنا أذكر قصة بشكل سريع؛ أخ من أخواننا تربى في هذا المسجد، وربى أولاده في هذا المسجد، أحد الأولاد فتح له معملاً صغيراً في مصر لأسباب معينة، فهذا الابن يقود مركبة في الليل، كان متعباً اصطدم بمركبة أمامه اصطداماً بسيطاً جداً، يبدو في المركبة التي أمامه كان هناك رجل كبير في السن، فوق التسعين من الصدمة توفي فوراً، فاتصل بمدير أعماله من مصر، فهذا اتصل بأقرب مخفر قال له: تعال بعد ساعة إلى المخفر الفلاني، جاء هذا الأخ الكريم ليرى ماذا حدث، فإذا كل شيء على ما يرام، الضبط مكتوب والحق على المركبة الأولى، و أن المركبة الأولى هي التي صدمته، أي عكس الأمر، فقال له: هذا لم يقع هذا عكس ما وقع، قال له: وقّع وانتهي، قال له: لا أوقع، قال له: لمَ لا توقع ؟ قال: هذا الذي حدث غير هذا الذي كتب، هذا فيه ظلم، أنا الذي تسببت بموت هذا الإنسان، وأنا لا أوقع هذا الضبط، فقال الضابط: أنا لم يمر بي إنسان أنا أريد أن أخلصه وهو يوقع نفسه، دفع ديته وعيّن أولاده في المعمل.
أنا أعتز بهذا الطالب، ما قبل أن يتسبب بقتل إنسان، ويصير هناك تواطؤ، ويُكتب ضبط خلاف الواقع أبداً، أنا حينما أربي أولادي على الصدق والأمانة والمسؤولية، حينما أربي أولادي على عقيدة صحيحة وقيم إسلامية، أنا أكون قد عملت شيئاً عظيماً.
ممكن أن يكون هناك طبيب و هناك حادث تسميم أي قتل عن طريق السم، وقد يعطى الطبيب عشرة ملايين على أن يكتب أن الوفاة طبيعية، وقد يكون الطبيب في أمس الحاجة إلى مئة ألف لا إلى مليون، فيكتب أن في الوفاة جريمةً، أنت حينما تنتج طبيباً ومدرساً وتاجراً ومهندساً لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يحابون أحداً، هم مع الحق، نكون قد قوينا على أعدائنا.
قلت اليوم في ندوة: هذا النصر كما يتوهم الناس مستحيل؛ نحن قاعدون مرتاحون لا نفعل شيئاً، غارقون في الشهوات، نبحث عن متع لنا، مصالحنا فوق كل شيء، ونرجو الله أن ينصرنا؟! لأننا مسلمون هذا أبعد من السماء إلى الأرض، النصر يحتاج إلى قيم، إلى مبادئ صحيحة.
الحديثان: ترقى درجة بتلاوة القرآن، وإتقانه، وفهمه، وتطبيقه، وترقى درجة بتربية أولادك.
                          والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (12-31): أتاني ربي في أحسن صورة

                                  بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الأولى بالإنسان أن يدع تأويل الآيات التي تتعلق بالذات الإلهية :
أيها الأخوة الكرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ، والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ؛ وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ، ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّه، وقَالَ: يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ: اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ قَالَ والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ وإطعامُ الطعامِ والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أول ملاحظة أيها الأخوة أن بعض الآيات ولا تزيد عن أصابع اليد، وبعض الأحاديث ولا تزيد عن أصابع اليد، فيها حديث عن الذات الإلهية، والأولى وهذا مذهب السلف الصالح أن ندع تأويل هذه الآيات التي لا تزيد عن أصابع اليد، كيف ؟
﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾
[ سورة الحديد : 54]
كيف ؟
﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾
[ سورة الفجر: 22]
كيف ؟
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[ سورة الفتح: 10 ]
((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
استحالة رؤية الله عز وجل في الدنيا :
إنكم ترون ربكم يوم القيامة، نحن في الدنيا لا نرى الله عز وجل، لا نحتمل رؤية الله.
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة الأعراف: 143 ]
إذاً مستحيل وألف ألف مستحيل أن نرى ربنا في الدنيا، هنا في المنام في أحسن صورة:
((... قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
هذا كناية عن أن النبي عليه الصلاة والسلام علمه شديد القوى.
كل ما ينطق به النبي عليه الصلاة والسلام وحي من الله تعالى :
كل منا يفتخر بأستاذه، يقول لك فلان: أنا خريج الجامعة الفلانية، وأنا أستاذي فلان، وعلمني فلان، وأجازني فلان، وتتلمذت على يد فلان، فإذا كان علماء الأرض يفخرون بأساتذتهم من بني البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم لحكمة بالغة بالغة بالغة جعله الله أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ليكون وعاؤه ممتلئاً من الوحيين فقط.
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾
[ سورة العنكبوت: 48 ]
فكل ما ينطق به النبي عليه الصلاة والسلام وحي من الله.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم: 3-4 ]
إيمان النبي بالآخرة إيمان شهودي وإيماننا نحن إيمان تصديقي :
لو افترضنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن تأتيه البعثة أتيح له أن يدرس في مراكز العلم في عصره- كان هناك مراكز علمية، في الصين، وفي بلاد فارس، وفي بلاد الروم- واستوعب ثقافة عصره، ثم جاءه الوحي بهذه الرسالة العظيمة، الآن سيتكلم، ما من كلمة ينطق بها إلا ويسأل هذه من عندك ومن ثقافتك أم من الوحي؟ فلئلا تختلط الأمور فرغ وعاء النبي عليه الصلاة والسلام من كل ثقافة أرضية، وامتلأ بوحي السماء، فشرح هذا الحديث قالوا: حينما وضع رب العزة يده، ونحن ندع تأويل هذا الحديث لله عز وجل، لكن يستنبط أن الله سبحانه وتعالى أطلعه على ما كان وما يكون وما سيكون، لذلك فيما أعلم أن من بني البشر واحداً هو رسول الله رأى الجنة والنار رأي العين، نحن جميعاً مؤمنون بالجنة إيماناً إخبارياً، أخبرنا الله عنها، أو إيماناً سمعياً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام وحده رأى أهل الجنة وهم بالجنة يتمتعون، وأهل النار وهم في النار يتعذبون، فلذلك هو شاهد على ما سيكون، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾
[ سورة النجم: 10]
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[ سورة النجم: 17-18 ]
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على ما كان، وعلى ما يكون، وعلى ما سيكون، فهو إيمانه بالآخرة إيمان شهودي، بينما نحن إيماننا بالآخرة إيمان تصديقي، وفرق كبير بين الإيمان الشهودي والتصديقي.
فعل الخيرات سرّ وجود الإنسان في الدنيا :
لذلك قال:
((لو تعلمون ما أعلمُ لضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيْتمْ كثيراً ))
[متفق عليه عن أنس بن مالك]
لو علمتم ما أنتم عليه بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة، ولا دخلتم بيوتكم تستظلون بها، ولا نمتم على فرشكم، ولبكيتم على أنفسكم، ولما سأله بعد أن علمه:
((...قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أي بهذه الطريقة علمه الله ملكوت السموات والأرض:
((فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ: يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى ؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ، والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ ؛ وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أي أن تطلب العلم وأن تعمل به، وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَاره، أن تتقن العبادات، أن تطلب العلم في المسجد، وأن تكون مع الجماعة في العمل الصالح، وأن تتقن العبادات " ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّهُ" هنا مضبوطة بالشكل كيومِ، لكن إذا جاء بعد يوم فعل مبني تبنى على الفتح " كَيومَ ولدتْهُ أمُّهُ، وقَالَ يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ: اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ" لأن فعل الخيرات سرّ وجودك في الدنيا، أنت في الدنيا من أجل أن تدفع ثمن الجنة، وثمن الجنة فعل الخيرات وتركَ المنكراتِ، هناك معنى دقيق هناك من يفعل الخيرات ولا يستطيع ترك المنكرات، هذا خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليه:
((.. فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
حب المساكين أيها الأخوة له معنى عميق جداً.
خيارات القوي و الغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى :
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خَيْرٌ))
[ مسلم و ابن ماجه و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بجرة قلم يلغي منكراً، بجرة قلم يشيع معروفاً، أما إذا كان طريق القوة محفوفاً بالمعاصي والآثام فأن تبقى مسكيناً وسام شرف لك، ينبغي أن تكون قوياً، إذا كانت وسائل القوة وفق منهج الله، أما إذا كانت وسائل القوة مبنية على معصية الله فمرحباً بالضعف فهو وسام شرف، وينبغي أن تكون غنياً لأن خيارات الغني لا تعد ولا تحصى، يستطيع أن يمسح دموع البائسين، يستطيع أن يمنح الأسر من عطائه الجزيل، يستطيع أن يكون في قلوب المساكين، أما إذا كان طريق الغنى عن طريق الربا، وعن طريق الكذب، والغش، والتدليس، وبيع بضاعة محرمة، وإفساد الناس، فمرحباً بالفقر، فهو وسام شرف للمؤمن:
((...إذا صلَّيتَ فقلْ اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ،وتركَ المنكراتِ، وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يعيش طائعاً ثم يفتن فيموت عاصياً :
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يعيش طائعاً ثم يفتن فيموت عاصياً، يروى -قصة رمزية - أن أحد المؤذنين كان يؤذن في المئذنة قديماً، رأى امرأة حسناء فأعجبته، ليست مسلمة، فبحث عنها، فاشترطت عليه أن يرتد عن دينه حتى يتزوجها، فقبل، فوقع ميتاً بعد أن قبل، ارتد عن دينه ولم يتزوج المرأة.
أصعب شيء أن يفتن الإنسان في آخر عمره، أن يمضي حياته طائعاً ثم يفتن، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول:
((... فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
إطعام الطعام أفضل ما في الإسلام :
من أجل أن ترتقي في درجات الجنة:
((...قَالَ: والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ، وإطعامُ الطعامِ، والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
وإطعام الطعام كما ورد في بعض الأحاديث أفضل ما في الإسلام، لأنه يؤلف القلوب، ويقرب الأباعد.
على الإنسان أن يتقن العبادات كلها :
الصّلاَةُ باللّيْلِ والنّاسِ ونيَامٌ ، نعيد الحديث:
((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى ؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى ؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أي أن تحب المسجد، أن تحب أن تصلي بالمسجد، وأن تحب أن تتلقى العلم بالمسجد -والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ- إما العبادات الجماعية، وإما الأعمال الجماعية:
((وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ...))
[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]
أي إتقان العبادات:
((... ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّه ُ، وقَالَ يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ قَالَ والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ وإطعامُ الطعامِ والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))
                                       والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (08-31): إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلى السماء الدنيا

                                بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
المواظبة على قيام الليل :
أيها الأخوة الكرام:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ؟))
[مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ]
والله أيها الأخوة لسنوات طويلة جداً تزيد عن العشرين ما من أخ وقع في مشكلة كبيرة يبدو أن ليس لها حل، وأغلقت أمامه كل الأبواب، وسدت أمامه كل المنافذ، وجاءني مستفتياً لا أملك إلا هذا الحديث أقول له: صلِّ ركعتين في ثلث الليل الأخير، لأن الله سبحانه وتعالى في نص الحديث الصحيح يقول:
((...نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ))
[مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ]
قد تأتي مشكلات فوق طاقة الإنسان، ويكاد للإنسان من جهات قوية لا يستطيع لها مجابهة، قد تأتي أمراض وبيلة، ويفتقر الإنسان، ويتآمر عليه من حوله، ويطعنه في الظهر أقرب الناس إليه، في حالات صعبة جداً هذا الحديث فيه الفرج.
إله عظيم بيده ملكوت السموات والأرض، بيده كل شيء، وهو القوة المطلقة، والرحمة المطلقة، والعدل المطلق، يقول لك: ألك حاجة ألبيها لك؟ اسألني يا عبدي، ادعني ألك حاجة فأقضيها؟ ألك ذنب فأغفره لك؟ ألك سؤال فأعطيه؟ ماذا ينتظر الإنسان؟
والله الذي لا إله إلا هو سمعت من بعض الأخوة قصصاً لا تصدق حول هذا الحديث، مصيبة ما بعدها مصيبة يزيحها الله عنك.
العبرة من الدين أن يكون للإنسان علاقة مع الله مباشرة :
لذلك إن أردت أن تلخص العبادة كلها يمكن أن تلخص بالدعاء، وحينما تدعو الله عز وجل ويستجيب لك يجب أن تعد هذا يوماً من أيام الله، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
[ سورة إبراهيم: 5 ]
يوم دعوته فاستجاب لك، يوم سألته فأعطاك، يوم استغفرته فغفر لك، يوم اعتززت به فأعزك، العبرة أيها الأخوة من كل هذا الدين أن يكون لك علاقة مع الله مباشرة، أن تناجيه، وتسأله، وتستغفره، وتطلب عفوه، وتطلب منه أن يتوب عليك، لابد من علاقة مباشرة.
أخ كريم حدث في حياته إحباط، الإحباط أدى به إلى حالة نفسية مرضية، فذهب إلى طبيب غير مسلم، الطبيب النفسي قال له بعد أن حدثه عن قصته كلها قال: مشكلتك أنك تشعر أن الله ليس راضياً عنك لابد من أن تكثر مناجاته.
كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة، المشكلات كبيرة جداً، الطالب في مدرسته، التاجر في تجارته، والصانع في مصنعه، والموظف في مكتبه، والطبيب في عيادته.
من ذاق طعم القرب من الله اكتفى به :
أحياناً تأتي مشكلات تسحق الإنسان من لك إلا الله؟ بل لعل الله سبحانه وتعالى من حكمته أنه يسوقك إلى بابه، يبتليك بمشكلات بهدف واحد أن يسمع صوتك، وتساق إلى بابه وتذوق طعم القرب منه، الإنسان ألف الحياة الدنيا، وألف الطعام، والشراب، والزوجة، والأولاد، والنزهات، والسهرات، والولائم، لكن لو أنه ذاق طعم القرب من الله لاكتفى به.
ورد في بعض الآثار القدسي: "أنه من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا".
ورمضان كله من أجل تمثل قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
[ سورة البقرة: 176 ]
من أجل أن تقطع أملك من الخلق وتعقد الأمل على الحق، من أجل أن تنصرف عن الخلق وتتجه إلى الله عز وجل، لأن كل شيء بيده، وإليه يرجع الأمر كله، فهذا الحديث أولاً في صحيح مسلم وصحيح الإمام مسلم أصح كتاب بعد القرآن الكريم يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ))
[مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ]
في رواية ثانية يقول الله عز وجل:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ))
[مسلم عَنْ َأَبِي هُرَيْرَةَ]
هو ينتظرك، تعاني من مشكلة مالية، أو صحية، أو زوجية، أو عقوق الأبناء، أو انحراف الزوجة، ونشوزها، وتطاولها، ومن كساد البضاعة تعاني ما تعاني، هذا الحديث علاج لكل مؤمن.
الدعاء يقوي العقيدة بالله عز وجل :
وأنا أقول لكم أيها الأخوة: لا يقوي عقيدتك بالله إلا الدعاء، كيف؟ أنت حينما تدعوه ويستجيب لك تعلم أنه سمعك، وأنه قدير، ورحيم، ومجيب، فيزداد إيمانك بالله.
قصة من أربعين عاماً؛ لي صديق له أب قاس، ظهر في صدره التهاب، فرأى بعض الأطباء إجراء عملية موضعية، فجاء ابنه على استحياء وخوف منه قال له: يا أبت سمعت من شيخي: "داووا مرضاكم بالصدقات"، طبعاً هو زار عدة أطباء يبدو أنه التهاب متفاقم، ولابد من شق هذا المكان، فبعد أن زار كل من يعرفه من الأطباء كلهم أجمعوا على عملية موضعية، فهذا الابن ببساطة وبحياء وبخوف ووجل من أبيه قال له: سمعت من شيخي قول النبي عليه الصلاة والسلام أن:
(( داووا مرضاكم بالصدقة ))
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]
والده قاس جداً قال له: أنا سأدفع عنك خمس ليرات - قصة قديمة- فإن شفاك الله بهذه الصدقة آخذها منك، وإن لم تشفَ بها أنا أدفعها ولا علاقة لك بذلك، يبدو أن هذا الأب شديد جداً، فالله سبحانه وتعالى استجاب لهذا الابن البار وشفيت هذه المنطقة، وذهب القيح، والتأم الوضع، فذهب إلى كل الأطباء الذين زارهم وأشاروا عليه بإجراء عملية وأراهم كيف شفي، وأصبح لهذا الأب اعتقاد بابنه دام عشرات السنين أن الله عز وجل لم يخيبه، نحن قبل سنتين دعونا الله للاستسقاء، وأنا يغلب على ظني أن هذا الاستسقاء كان صادقاً، الأموي وحوله مئات الأمتار كان ممتلئاً، وكان في الدعاء تضرع، ووجل، وخوف، ثم جاءت الأمطار، ففي خطبة قلت: يا رب لا تشمت بنا الطرف الآخر، حاشا لله أن تدعوه مخلصاً ثم لا يستجيب لك، أن تعلق الأمل عليه ثم يخيب ظنك، أن تتوكل عليه ثم لا تجد بغيتك، هو أهل التقوى وأهل المغفرة، قدير، سميع، عليم، مجيب، رحيم، بيده كل القوى، أهل الأرض ممتلئون خوفاً من وحيد القرن! لو أنهم عرفوا أنه في قبضة الله، وأنه لا إله إلا الله، ولا معطي، ولا مانع، ولا قابض، ولا باسط إلا الله، ولا خافض، ولا رافع، ولا معز، ولا مذل إلا الله، لعكفوا على عبادة الله وارتقت نفوسهم، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 139]
من وقع في المخالفات حجب عن الله :
كل بطولة المؤمن أن يؤهل نفسه لتلقي نصر الله عز وجل، ولتحقق وعود الله، أما أن يقع في المخالفات، والتقصيرات، والتجاوزات، وأكل المال الحرام، وغش المسلمين، فمثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يدعو الله أبداً، هناك حجاب كثيف بينه وبين الله.
الصيغة التي جاء بها مسلم:
((أنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ))
هناك رواية ثالثة لهذا الحديث:
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ))
[مسلم عَنْ َأَبِي هُرَيْرَةَ]
الله عز وجل فعّال لما يريد :
أيها الأخوة الكرام: حينما توحد الله وتراه وحده فعالاً في الأرض... كلمة:
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
[ سورة هود : 107]
أنت من؟ أنت لست فعالاً لما تريد، لعلك تريد أشياء لا تعد ولا تحصى، ولست قادراً على أن تفعل منها شيئاً، لكن الله:
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
[ سورة هود : 107]
ليس المجال مجال قصص، لكن هناك قصص واقعية والله لا تصدق، لي صديق أصيب بمرض خبيث في رئتيه، فزرته مرة في البيت قال: هناك احتمال أن تجرى عملية في بلاد بعيدة جداً، وأن هذه العملية تكلف ثمن بيته الذي يسكنه، زرع رئة واحتمال نجاحها ثلاثون بالمئة- أنا أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً -العينات التي أخذت من رئتيه فحصت وحللت في بلادنا، وفي بلاد الغرب، فكانت ورماً خبيثاً من الدرجة الخامسة، أعرف أطباء أثق بهم ثقة كبيرة قالوا: لا أمل من شفائه إلا بعملية زرع كبيرة، ونجاحها ثلاثون بالمئة، وفي بلاد بعيدة، وتكلف ثمن بيته، يبدو أنه دعا الله عز وجل بإخلاص شديد، وهو الآن حي يرزق، وأظن القصة من عشرين سنة!
فحينما تدعو الله الذي يبدو مستحيلاً في قدرة الله عز وجل أي يأس وأي شعور بالخوف يتبدل حين تثق بالله.
﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأعراف :156]
من كان الله معه فلا أحد عليه :
هناك مُدرّسة في باريس أصلها مغربية، أصيبت بورم خبيث، فقال لها الطبيب- يبدو أنه بلغ درجة كبيرة من الانتشار-: معك أسبوعان فقط وبعدها تموتين، والطبيب بفرنسا، فحينما أيقنت بالموت ذهبت إلى مكة المكرمة لتؤدي عمرة قبل أن تغادر الدنيا، يبدو في أثناء الطواف وقد قالت في كتيب ألفته أنها طافت ثمانية عشر شوطاً من شدة تعلقها بالله، وخوفها من أن تموت على غير الإيمان، وشربت من ماء زمزم، وعادت إلى بلدها لتموت، لكن الله شفاها، وألفت كتيباً صغيراً، قصة مؤثرة جداً، كيف أن أصحاب موسى قالوا:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
[ سورة الشعراء:61]
فرعون بكل قوته، وجبروته، وطغيانه، وحقده، وراء شرذمة قليلة، والبحر أمامهم، ومع ذلك أنجاهم الله عز وجل.
كيف سيدنا يونس الأمل صفر في بطن الحوت، وهو في ظلمات ثلاث قال:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء:87-88]
والله هناك قصص لغرابتها لا تصدق! إنسان في طريقه لمنطقة جميلة في وسط القطر، ترك المركبة وذهب لمطعم، فابنه لعب بأدوات القيادة، فانطلقت المركبة في الوادي، والوادي سحيق جداً فدعا الله أنه إذا نجا أهله وأولاده يتصدق بكل ما يملك! ونزلت المركبة لقعر الوادي وسلمت زوجته وأولاده وأنجز وعده! مرض عضال، مصيبة كبيرة، عدو كبير، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
الشدائد من أجل أن تدعو الله بإخلاص وتعكف على بابه :
والله أيها الأخوة: في عشرين سنة سابقة لا يوجد أخ يضعني أمام مشكلة ليس لها حلّ إطلاقاً إلا أدله على هذا الدعاء، والحديث القدسي، وقد أستمع من بعض الأخوة لإجابات من غرابتها لا تصدق، كيف أن الله سبحانه وتعالى صرف عنه هذا البلاء، فهذا الحديث مهم جداً جداً.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ))
[مسلم عَنْ َأَبِي هُرَيْرَةَ]
وأنا أقول لكم مرة ثانية: أحياناً القصد أن تذوق طعم القرب من الله، قد تساق الشدائد من أجل أن تدعو الله بإخلاص، من أجل أن تلجأ لبابه، من أجل أن تعكف على بابه، الله هو قمة العبودية، والأنبياء الكرام من دون مصائب عاكفون على بابه وهم في أوج قوتهم.
النبي الكريم قبيل وفاته وقد دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها صعد المنبر وقال: "من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليجلده، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ مني، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتد منه، ولا يخشى الشحناء فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي".
الحقيقة الإنسان حينما يكون ضعيفاً يكون متواضعاً، لكن بطولته حينما يكون قوياً وغنياً، حينما تشعر وأنت في أعلى درجات القوة بالافتقار إلى الله، وحينما تشعر وأنت في درجات الغنى بالافتقار إلى الله، فأنت موحد، لكن الغنى يطغي والقوة تنسي في بعض الأحيان.
فنحن تحت رحمة الله، ونسأله وحده، ونعتمد ونتوكل عليه وحده، وهذا الحديث هو الدواء لكل داء ومشكلة، ولكل عدو متربص بنا، ولكل مرض عضال، فما عند الله ليس عند العبد.
                                    والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (09-31): المحبوبية في الإسلام، إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً

                               بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أية دعوة إلى الله تتجاهل الحب هي دعوة عرجاء :
أيها الأخوة الكرام، الدعوة إلى الله تنجح نجاحاً باهراً حينما تراعي في الإنسان جانبه العقلي والنفسي والمادي، فكما أن الإنسان عقل يدرك هو قلب يحب، والعقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، فأية دعوة إلى الله تتجاهل الحب هي دعوة عرجاء، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[ سورة المائدة: 54]
استنبط العلماء أن الذي يحب الله والذي يحبه الله لا يمكن أن يرتد، فحينما يكون الدين عقلياً فكرياً نصياً ضمن حب هناك نكسات كثيرة، أما حينما يكون الدين علماً متيناً وأدلة قوية وحباً والتزاماً -هذه خطوط ثلاثة معرفة وحب وسلوك - فهناك التفوق، وآيات كثيرة تتحدث عن الحب، الحديث القدسي اليوم:
((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]
القرآن الكريم والسنة النبوية توجها إلى العقل والقلب معاً :
ما من نعمة في الدنيا إلا ولها آثارها في الآخرة، كأن يحبك الناس، لأن الله إذا أحبك ألقى محبتك في قلوب الخلق، وأكاد أقول: الأنبياء بكمالهم ملكوا القلوب، والأقوياء بقوتهم ملكوا الرقاب، والبشر جميعاً أتباع نبي أو قوي، فالذين هم أتباع النبي سلاحهم الكمال الإنساني، بكمالهم يملكون القلوب، والذين هم أتباع القوي سلاحهم ما منحوا من قوة، فبقوتهم يملكون الرقاب، وشتان بين من يملك القلوب وبين من يملك الرقاب.
على كلٍّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة توجهت تارة إلى العقل لتقنعه، وتارة إلى القلب لتغذيه، وفي بعض الآيات الكريمة تتوجه الآية إلى القلب والعقل معاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
[ سورة الانفطار: 6-7]
الحبّ هو علة الخلق :
أيها الأخوة الكرام: جانب الحب هو علة الخلق، لو أن الله أراد أن يخضع له البشر جميعاً لكان ذلك، ولكن هذا الخضوع قسري لا يثمر سعادة.
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
[ سورة يونس: 99]
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
[ سورة هود: 118]
الله جلّ جلاله ما أرادنا أن نأتيه قسراً، أراد أن نأتيه طوعاً، إذا أتيناه قسراً لا قيمة لهذا الإتيان، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
[ سورة البقرة: 256]
فجانب الحب جانب أساسي، الفرق بين الحب وبين الواجب كالفرق بين أرحنا بها وأرحنا منها، هذا هو الفرق بين الحب والواجب، فأنت حينما تحب الله تفعل المستحيل، أصحاب النبي أحبوا الله، قلة قليلة بحياة خشنة، بمعدات بسيطة، وبيوت من اللبن وصغيرة وخشنة، فتحوا أطراف الدنيا، وحينما فرغ الدين من الحب أصبح ثقافة وتقاليد وعادات وأصبح سلوكاً أجوفاً وعبادات لا تقدم ولا تؤخر، بين مؤمن مفعم قلبه بالحب، وبين مؤمن ممتلئ قلبه بالمعلومات فرق كبير جداً، لابد من أن يمتلئ العقل بالمعلومات، ولا بد من أن يمتلئ القلب بالحب، فهذه المرأة الأنصارية التي رأت زوجها في أرض المعركة شهيداً ورأت أباها في أرض المعركة شهيداً، ثم رأت ابنها ثم أخاها وفي كل مرة تقول: ما فعل رسول الله؟ فلما رأته واطمأن قلبها قالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل.
الحبّ يصنع المعجزات و التقليد لا يصنع شيئاً :
أخواننا الكرام: الحب يصنع المعجزات، ومن دون حب لا يمكن أن تقدم شيئاً لله، مستمع جيد، ومعلق جيد، لكن لا تقدم شيئاً، كل إنسان حينما يستمع إلى كلام منطقي مؤيد بالأدلة والبراهين يعجب بهذا الكلام، لكن العبرة ماذا قدمت لله عز وجل؟ لو سألك الله يوم القيامة ماذا فعلت من أجلي يا عبدي؟ هذا سؤال، الحب يصنع المعجزات، بينما التقليد لا يصنع شيئاً.
((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]
انظر إلى الطفل قال تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
[ سورة طه: 39]
أي ألقى في قلب أبويه الحب له، تجد الأبوين لا يهنأ لهما عيش إلا إذا كان ابنهما على ما يرام، فهذه الرحمة التي يتراحم بها الناس، والتي يعقبها ميل قلبي هو الحب، وأقول لكم هذه الكلمة: الإنسان الذي لا يجد رغبة في نفسه أن يكون محبوباً عند الله وعند خلقه، ثم لا يجد رغبة أن يحب الله جلّ جلاله، فإنه ليس من بني البشر! البطولات التي ظهرت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أساسها الحب، قيل لأحد أصحاب رسول الله قبل أن يصلب -ألقي القبض عليه وسيق إلى مكة - قبل أن يصلب قال له أبو سفيان: أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت معافى في بيتك؟ استمعوا إلى الجواب قال: والله لا أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة! فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كأصحاب محمد يحبون محمداً!
أكبر نجاح في الحياة أن يحبك الله :
أخوتنا الكرام، نحن في أمس الحاجة إلى الحب، أن نحب بعضنا، ونقدم لبعضنا كل شيء، ونؤثر بعضنا على كل شيء، هناك رواية ثانية:
((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ))
[مسلم عن أبي هريرة]
أنت حينما تمشي في رضوان الله يحبك الله، ويحبك جبريل، ويحبك أهل السماء، وتلقى القبول في الأرض، وحينما يمشي الإنسان في سخط الله يبغضه الله، ويبغضه جبريل، ويبغضه أهل السماء وأهل الأرض، أكبر نجاح في الحياة أن يحبك الله.
مرة سمعت كلمة من أخ كريم يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ قال
((عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ فَقُلْتُ وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.....))
[النسائي عن معاذ بن جبل]
والله ما رأيت في الأرض مرتبة تعلو هذه المرتبة! أن يحبك رسول الله، كيف يحبك؟ إذا كنت مستقيماً، الأقوياء يقربون من يعلن لهم الولاء، لكن الأنبياء بوحي من الله عز وجل لا يقربون إلا من كان راضياً لله عز وجل، لذلك قيل: "يا رسول الله مثل بهم؟ قال: والله لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً" .
من لم يخفق قلبه بحب الله و رسوله ففي إيمانه خلل :
هناك حديث آخر:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ))
[الترمذي عن أبي هريرة]
إن كنت على علاقة طيبة مع الله فمن لوازم هذه العلاقة أن الناس يحبونك، وقد ورد أنه: من أخلص لله تعالى جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة.
فلذلك إن لم يخفق قلبك بحب الله ورسوله، وحب المسجد، والقرآن، وأخوتك المؤمنين، ففي الإيمان خلل.
قديماً الذي يقف أمام مقام النبي عليه الصلاة والسلام ولا يبكي يقال له: مالك؟ لكنك تجد أحياناً من يبكي أمام مقام النبي الآن يسأل: أبك حاجة؟ الأصل أن تبكي أمام قبر النبي وأن تحبه.
أخوتنا الكرام: أرأيتم إلى وردة مصنوعة من الشمع، ثم وردة طبيعية فواحة الرائحة؟ بين وردة طبيعية فواحة الرائحة وبين وردة اصطناعية مملة كما بين مسلم يحب الله ومسلم لا يحب الله أو قلبه خاو من المحبة، الإسلام من دون حب جسد من دون روح -جثة - فلذلك تجد قلوب المسلمين قاسية من بعدهم عن الله، وانغماسهم في المخالفات، فهو مسلم بحسب هويته، وقيد نفوسه، وبيئته، ومن أبويه المسلمين، ولكن المسلم الذي يغلي قلبه كالمرجل هذا نفتقده، فالحياة أساسها الحب.
النبي عليه الصلاة والسلام كان أحب الخلق إلى الله، وأقسم الله بعمره الثمين، وحينما تشعر أن الله يحبك فأنت في الأوج، ملك في الدنيا، فإذا أحبك الله أحبك الخلق، وإذا أبغض الله عبداً أبغضه الخلق.
                                  والحمد لله رب العالمين

قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (11-31): صلة الرحم

                            بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
التضامن الاجتماعي :
أيها الأخوة الكرام، صلة الرحم من أهم الطاعات، بل لعل النظام الإسلامي من أبرز معالمه التضامن الاجتماعي، ولعل هذا التضامن الاجتماعي أساسه النسب والمكان، فالمكان جاءت أحاديث حقوق الجار، والجار له حق لا يصدق.
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))
[متفق عليه عن ابن عمر]
والبند الثاني في التضامن الاجتماعي صلة الرحم، فأنت لك قرابة ولك جوار، ولابد من أن يكون كل إنسان مشمولاً بجوار أو بقرابة، وكأن نظام القرابة ونظام الجوار غطى كل المجتمع، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، ولحكم بالغة بالغة شاء الله أن يكون هناك فقر وغنى، وضعف وقوة، ومرض وصحة، فتوزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، إذاً قد تجد جاراً فقيراً وجاره غني، وقد تجد جاراً ضعيفاً وجاره قوي، وقد تجد جاراً مريضاً وجاره صحيح، الحظوظ موزعة، والناس يسكنون إلى جنب بعضهم بعضاً، للجار حق وللأقرباء كذلك، قد تجد رجلاً في أسرة موسراً، وقد تجد أخاه فقيراً، فلأن الحظوظ متفاوتة فجعل الله عز وجل الضمان الاجتماعي، الذي يكشف حقيقة الإنسان، وحقيقة إيمانه، وحقيقة رحمته، وحقيقة عمله الصالح، وحقيقة امتحانه، جعل الضمان الاجتماعي على أساس الأرض، وعلى أساس النسب.
صلة الرحم :
الحديث اليوم عن صلة الرحم، لكن أيها الأخوة هذه الطاعات العظيمة، هذه الطاعات الكبرى أحياناً تفرغ من مضمونها، كيف؟ مسخت صلة الرحم عند المسلمين إلى زيارة جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، في العيد أو في العيدين، وحينما يكون الذي يطوف على بيوت أقربائه مضغوطاً أو مشغولاً ويضع قائمة، يتمنى عند كل بيت يطرقه ألا يجده، وأن يضع بطاقة رفعاً للحرج، وحفظاً لماء الوجه، هذه العبادة وهذه الطاعة مسخت إلى زيارة جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، الحقيقة أن صلة الرحم تبدأ بالزيارة، ويتبع هذه الزيارة تفقد الأحوال، لك أخوة، لك أخوات، لك أخت متزوجة، لك ابن عم فقير، لك ابن خالة مريض، لك ابن أخت يعاني من أولاده، الزيارة هي البدء، ثم التفقد، تفقد الأوضاع الاجتماعية، تفقد الأوضاع المعيشية، تفقد الأوضاع الدينية، زرت أخاك رأيت ابنته متفلتة ينبغي أن تنصحها، ولعلك تبدأ بإكرامها، وتبدأ بتقديم هدية لها، ولعلك تدعوها إلى بيتك وتنصحها، فإذا تحجبت فقد وصلت رحمك، صلة الرحم لا تعني أن تزور زيارة جوفاء تتحدث عن الأخبار التي سمعتها في الجزيرة، وعن الأسعار، وما إلى ذلك، صلة الرحم تعني أن تزور أهلك.
وقد سئلت اليوم من هم الأقرباء الذين ينبغي أن نصلهم؟ قلت: أقرباء الأم والأب معاً، هذه كلمة شمولية، تزور أولاً، تتفقد الأوضاع المعيشية، تتفقد الأوضاع الدينية، تتفقد الأوضاع الاجتماعية، هذه الفتاة لم تتزوج، ينبغي أن تسعى لتزوجيها، فما من شفاعة أعظم عند الله من أن تشفع بين اثنين في نكاح.
ورد في الأثر أنه: "من مشى في تزويج رجل بامرأة كان له في كل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها، عبادة سنة قام ليلها وصام نهارها".
تفقد الأوضاع الاجتماعية، والأوضاع المعيشية، والأوضاع الدينية، فإذا أخذت بيد هؤلاء إلى الله ورسوله، إلى طاعة الله ورسوله، تكون قد وصلت رحمك، وأذكر أن أكثر من ثلاثين حديثاً صحيحاً تؤكد صلة الرحم.
صلة الرحم من أعظم الأعمال :
مادام الدرس اليوم في الأحاديث القدسية فهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري:
((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ ...))
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
الرحم يعني الأقرباء، علاقات القرابة جسدت.
((فَقَالَ: مَهْ ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ " ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ سورة محمد "آية 22"))
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
أي صلة الرحم من أعظم الأعمال، ذلك أن رحمك من لهم غيرك؟ أما بقية الناس فأنت لهم وغيرك لهم.
الإنسان حينما يعلو بماله أو بعلمه وينسى أقرباءه و أهله فهذا جاحد كبير :
لما فتح النبي مكة المكرمة الفتح العظيم، وعفا عن أهلها لأنهم رحمه، وعفا عن أبي سفيان الذي قاد حروباً ثلاثاً ضده، قال أبو سفيان: ما أعقلك! وما أرحمك! وما أحكمك! وما أوصلك!.
الإنسان أحياناً يعلو فينسى أقرباءه، قال لي أحدهم: أعلنت إفلاسي، تاجر أعلن إفلاسه، له أخ من أم وأب، أخ شقيق، تزيد أمواله عن مئتي مليون لم يقدم له ولا ليرة، فالإنسان حينما يعلو بماله، أو يعلو بعلمه، أو يعلو بمنصبه، وينسى أقرباءه، وينسى أهله فهذا جحود كبير، الحقيقة صياغة الحديث مؤثرة فيها تجسيد:
((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ ...))
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
الرحم يعني معنى اعتباري مجازي كيف قال الله عز وجل:
﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾
[ سورة الكهف : 77 ]
هذه استعارة، أي الرحم أعطيت هنا صفة الإنسان، قامت وتمسكت بحقو الرحمن - و الحقو موضع عقد الإزار وشده -، باللغة الدارجة إذا إنسان مستجير يقول له: يدي بزنارك، بالضبط، طبعاً على معنى يليق بكمال الله، قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه.
ألم نقل الرحم أخذت دور الإنسان؟
((فَقَالَ: مَهْ ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ " ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ سورة محمد آية 22))
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
صلة الرحم زيارة وبذل وإرشاد ومعونة وتوجيه وإكرام :
لذلك جزء من الدين أن تصل رحمك، هل تصدق أن أختاً قد لا يزورها أخوها في السنوات مرة، تذكر ما أقول لك، أنت حينما تزور أختك تنعشها، وتفرحها، وتسعدها، وتشعر بعزة أمام زوجها، ليست مقطوعة لها أهل، أن تزور أختك، أو أخاك، أو بنت أخيك، أو بنت أختك في مناسبات متقاربة، وأن تسألها عن أحوالها، وعن صحتها، وعن أولادها، وعن أعمال أولادها، وعن زوجها، وأن تقدم لها مساعدة.
أنا أذكر الآن قصة أخ كريم زار أخته فرأى شجاراً بينها وبين زوجها حول مبلغ تفرضه عليه ككسوة ومصروف لبناتها،- القصة قديمة - طلبت منه من راتبه ثلاثمئة ليرة، والزوج يبدو أن راتبه محدود فرفض هذا الطلب، ونشب صراع بينهما، فدخل على أخته وهما في هذا الحالة، فأشفق عليها وأشفق على زوجها، زوجها دخله محدود، وهي بحاجة ماسة إلى حد أدنى من تغطية حاجات بناتها، فقال لها: يا أختي هذا المبلغ خذيه مني كل شهر، أقسم لي بالله أنه كان يرسل لها هذا المبلغ في اليوم الأول من كل شهر لمدة ستة أشهر، ثم التقى بها مرة قالت له: لو تجعل لنا درساً دينياً، رحب بهذه الفكرة، قال لي أنا لست مدرساً دينياً، أنا مهندس، قال لي: بدأت أحضر الدرس، أحضر آية، حديثاً، قصة، قضية فقهية، يحضر الدرس جيداً، طبعاً الدرس لأخواته كلهن، وبنات أخواته كلهن، قال لي: استمر هذا الدرس أكثر من سنتين، محصلة هذا الدرس أن كل بنات أخواته تحجبن، وزوج معظمهن.
هذه صلة الرحم؛ زيارة، وبذل، وعطاء، وإرشاد، ومعونة، وتوجيه، وإكرام، إذا وصلت الرحم وصلك الله، وإذا قطعت الرحم قطعك الله، وأبو سفيان تأثر أشد التأثر فقال: يا محمد ما أكرمك! وما أرحمك! وما أوصلك! وما أعقلك! أما أن تشاهد في المحاكم دعاوى بين الأخوة والأخوات، وبين الآباء والأمهات، وبين القرابات فهذا وصمة عار في حق المسلمين.
أنا والفضل لله عز وجل من أول هذه الدعوة ما وافقت أن تقام دعوى بين قريبين، أبداً، القرابة مقدسة جداً، لا ينبغي أن يدخل أخوان إلى المحكمة.
درء المفاسد مقدم على جلب المنافع :
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(( قال الله: أنا اللهُ وأنا الرَّحمَنُ خَلَقتُ الرَّحِمِ وشَقَقتُ لها من اسمِي فمنْ وصَلَها وصلتهُ ومن قَطَعَها بتتَّهُ))
[الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ]
ينبغي أن تعد صلة الرحم جزءاً من دينك، قد تقول: أنا مشغول، هذا ليس عذراً ينبغي أن تقتطع من وقتك وقتاً لزيارة أقربائك، إلا في حالات أنا أذكرها لكم: لو أن لك أقارب متفلتين، يسخرون من الدين، لا يصلون، لا يلتزمون، دخلت إليهم أو دخلت عليهم فبرزت الفتيات بأبهى زينة، يتضاحكن أمامك، ويكشفن عن مفاتنهن، ويسخرن من تدينك، هذه ليست صلة رحم، دع خيراً عليه الشر يربو، يمكن أن تكون الصلة مع هذه الأسرة عن طريق الهاتف، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
إن كان هؤلاء الذين تزورهم لا يحترمون دينك، ولا قيمك، ولا منهجك في الحياة، ينبغي أن تقاطعهم إشعاراً لهم أنهم متفلتون، لكن لك أن تزورهم من موسم إلى موسم زيارة عابرة، ولو أن تطرق بابهم، وأن تسألهم عن أحوالهم، أو عن طريق الهاتف، فالأسر المتفلتة التي تسخر من المؤمن هذه ينبغي أن تؤدب.
رمضان شهر الإنفاق و صلة الرحم و الأعمال الصالحة :
أيها الأخوة، هذا الشهر شهر الأعمال الصالحة، وكأن هذا الشهر شهر الإنفاق وشهر صلة الرحم، لكن الذي يحصل - نعوذ بالله مما يحصل - رمضان موسم لقاءات، لقاءات مختلطة، وحديث لا يرضي الله، ومتابعة مسلسلات، وهذا أفضل ألف مرة من الخيمات الرمضانية التي تبدأ بصلاة التراويح وتنتهي بالرقص، وكل هذا من أجل شهر رمضان، هذا النوع من زيارات الأقارب لا علاقة له بهذا الدرس إطلاقاً، صلة الرحم أن تنهض لتفقد أهلك، والقوي يجب أن يأخذ بيد الضعيف، والغني يجب أن يأخذ بيد الفقير، والعالم يجب لأن يأخذ بيد الجاهل، وعندي والله أمثلة أنا أعتز بها؛ أحد أخواننا من الميسورين أسس مؤسسة تجارية لآل أسرته، لا يدع شاباً من دون عمل إلا ووظفه في هذه المؤسسة، ولا يدع شاباً مقصراً في دينه إلا سخر له من يرده إلى الدين، ولا يدع شاباً من دون زواج إلا وزوجه، مؤسسة آل هذه الأسرة يقدمون من أموالهم دعماً لهذه المؤسسة، هذه المؤسسة تجارية، أولاً: توفر فرص عمل لكل شباب الأسرة، ثم هناك جلسات دينية، وهناك جلسات توجيهية، والله أنا حينما سمعت تفاصيل هذا المشروع أعجبت، قلت: ليت كل أسرة تقيم مثل هذا المشروع، كل أسرة فيها أغنياء وفقراء، لو هؤلاء الأسر اجتمعوا على توفير حاجات الفقراء، وتعليم الشباب، وتأهيل الذين ليسوا مؤهلين للعمل، والبحث عن فرص عمل، وتزويج هؤلاء الشباب، هذا من أعظم الأعمال.
أيها الأخوة الكرام، في الحديث الصحيح أن الذي يؤدي زكاة ماله لأقربائه المحاويج تكتب عند الله بأجرين، بأجر الزكاة، وأجر الصلة، صدقة وصلة.
أخ كريم رجاني أن أروي هذه القصة، وهو عندي والله من الصادقين، له ابن عم لا يعرف شكله، هكذا، نمط الأسرة فيها تباعد، حينما حضر مجالس العلم قال: ينبغي أن أزوره في العيد، فزاره ولا يعرفه، قال له: أنا ابن عمك، رجل كريم رحّب به ترحيباًَ عالياً، وبعد حين اتصل به و قال له: لك علينا حق أن نزورك، فكان هناك موعد، فوجئوا أن بيته تحت الأرض، وفيه رطوبة عالية جداً، ومعظم أولاده معهم التهاب مفاصل، ومعهم أمراض، فهذا القريب قال له: لا يمكن لهذا أن يستمر، ابحث عن بيت بمليوني ليرة، قال لي: والله بعد ستة أشهر أسكن الآن ببيت، طابق ثالث، جنوبي، أقسم بالله حينما زار ابن عمه لا يقصد أبداً أن يعطيه شيئاً، لكن هذا ابن العم ميسوراً وهو يساعد الغرباء وابن عمه أولى، فهيأ له هذا البيت، هكذا ينبغي أن نكون.
حينما نتعاون يحبنا الله جميعاً، ولعله ينصرنا، أما حينما يظلم بعضنا بعضاً فقد لا نستحق نصر الله عز وجل، لما قال ابن رواحه لليهود: "جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض عندي من القردة والخنازير ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالت اليهود: بهذا قامت السموات والأرض وبهذا غلبتمونا"، وهذا معنى قول بعض العلماء: إن الله ينصر الأمة العادلة الكافرة على الأمة المسلمة الظالمة.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الحديث القدسي باعثاً لنا على تجسيد الطاعة العظيمة، وهذا موسمها.
                                  والحمد لله رب العالمين

الأحد، 15 مارس 2015

شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (04-31): يؤذيني ابن آدم يسب الدهر

                          بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الابتعاد عن الكلمات التي لا أصل لها في الدين :
أيها الأخوة الكرام، معظم الناس إلا قليلاً منهم يعتقدون أن الله خلق السماوات والأرض، ولكن قلة من هؤلاء يعلمون أن الله بيده كل شيء، وأنه في السماء إله وفي الأرض إله، وأنه:
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾
[ سورة الأنعام: 59]
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
[ سورة هود: 123 ]
هذا هو الإيمان، فلذلك عند معظم الناس كلمات لا معنى لها، يقول لك أحدهم: لقد سخر القدر مني، أي قدر هذا؟ قلب له الدهر ظهر المجن، من هو الدهر؟ إله آخر؟ هناك كلمات يرددها العوام ليس لها أصل في الدين، حديث قدسي يشير إلى هذه الحقيقة يقول عليه الصلاة والسلام:
(( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
ليس في الكون إلا الله.
التوحيد هو الطريق إلى الله عز وجل :
حينما تربط كل الجزئيات بخالق السماوات والأرض تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله، هذا هو التوحيد، إذ قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾
[ سورة الأنعام: 59]
حينما أمر الله أم موسى:
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
[ سورة طه: 39]
صندوق خشبي فيه طفل ولد لتوه، حركة هذا الصندوق بيد من؟
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾
[ سورة طه: 39]
﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
[ سورة القصص: 7]
عندما واجه سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة و السلام البحر و من ورائه فرعون، و ما أدراكم ما فرعون! بقوته، و حقده، و جبروته، وقواته، و أسلحته، يتبع شرذمة قليلة:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
[ سورة الشعراء: 61-62]
كلمة التوحيد هي الكلمة الأولى في الإسلام :
أنت حينما تؤمن أن الأمر كله بيد الله تكون قد قطعت أشواطاً جيدة في معرفة الله، فهذا الذي يسب الدهر من هو الدهر؟ هذا الذي يندب حظه، ما الحظ؟ العوام يقولون: هذه البنت محظوظة: و هذه البنت حظها قليل، الحظ إله ثان؟ ليس إلا الله هو المعطي، هو المانع، هو الخافض، هو الرافع، هو المعز، هو المذل، هو الناصر، هو الذي لا ينصر، حينما تربط كل أمورك بالله عز وجل تكون موحداً، و ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، بل إن كلمة التوحيد هي الكلمة الأولى في الإسلام، و لا تقبل من المسلمين تقليداً، قال تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد: 19 ]
لو تابعت قراءة الآية:
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
[ سورة محمد: 19 ]
أي أنت حينما تعلم أن الأمر بيد الله، و حين يأتيك أمر على خلاف ما تريد، ينبغي أن تراجع نفسك، فالله سبحانه و تعالى غني عن تعذيب الناس.
من يوحد ينضبط لسانه و يزول حقده :
أيها الأخوة، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ ... ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
هناك من يقول: لعن الله هذه الساعة، أية ساعة هذه، تلعن من؟ حينما توحد ينضبط لسانك، حينما توحد يزول حقدك، لأن علاقتك مع الرحيم، مع العليم، مع العدل، مع الحكيم، مع اللطيف:
(( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
فكلمة حظ، و كلمة دهر، و كلمة قدر، و كلمة شؤم، الشؤم محرم في الدين:
((لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ...))
[ متفق عليه عن ابن عمر]
الإنسان يدخل إلى محله إنسان كادت تعقد بيعة دسمة فلا تعقد يتشاءم ممن دخل عليه، هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، هناك من يتشاءم من رقم معين، من يوم معين، من شخص معين، هذه كلها خرافات لا أصل لها في الدين:
((لا عدوى و لا طيرة))
[ صحيح عن ابن عمر]
لكن الإنسان حينما يأتيه شيء على خلاف ما يريد ينبغي أن يراجع حساباته.
الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده إلا بعد أن طمأنه أن الأمر بيده :
الحديث الذي ذكرته أول يوم:
((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:....... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]
الآن المسلمون يلومون عشرات الأطراف و لا يفكرون أن يلوموا أنفسهم أبداً، كل مشكلة في حياتنا نعزوها إلى الاستعمار، شيء مريح نحن لا ذنب لنا أبداً، إن رأى حفرة في الطريق يعزوها إلى الاستعمار، أو إلى الموساد، أو إلى الصهيونية، يجب أن نعزو كل مشكلاتنا إلى أنفسنا لأن الله موجود، و لن يسلم أحداً لأحد، حينما يسلمك إلى غيره لماذا تعبده؟ قال لك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
[ سورة هود: 123 ]
متى أمرك أن تعبده؟ حينما أكّد لك أن الأمر كله- كله توكيد- بيده:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
[ سورة هود: 123 ]
الخلق كلهم عند الله سواسية ليس بينه و بينهم قرابة إلا طاعتهم له :
لذلك أيها الأخوة، جسمك، أجهزة جسمك، قلبك، أوعيتك، رئتاك، دماغك، حواسك، من حولك؛ زوجتك، أولادك، من فوقك، من هو أقوى منك، من هو تحتك، كلهم بيد الله، فالمؤمن علاقته مع جهة واحدة، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، أي ليس غريباً أن يقول أحد علماء القلوب: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، أحياناً تجد الزوجة في أطيب علاقة مع زوجها، و أحياناً تجدها في أسوأ علاقة، راجع نفسك، أي دائماً في التربية قاعدة أنك إذا علمت طلاباً و وجدت منهم ما يزعجك يجب أن تعلم أن هناك خللاً في تدريسك، الدرس الناجح، و الشخصية القوية، و النفسية التي هي كالأب، هذه تجذب الطلاب، فإن لم تحسن ضبط الصف فهناك مشكلة في تدريسك، في شخصيتك، و في علمك، و في قدرتك، عود نفسك ألا تعزو الأخطاء إلى غيرك، عود نفسك ألا تحابي نفسك، ألا تثني عليها، عود نفسك أن تتهمها دائماً، عود نفسك أن تعلم أن الله عادل، ما كان له أن يظلم، ما كان له أن يعطي أناساً و يحرم أناساً، كلهم عباده، أروع ما قاله سيدنا عمر حينما رأى سيدنا سعد، سعد بن أبي وقاص خال رسول الله و ما من صحابة رسول الله صحابي فداه النبي كسيدنا سعد قال:
((مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي أَحَدًا بِأَبَوَيْهِ إِلَّا لِسَعْدٍ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))
[ متفق عليه عن علي ]
و كان إذا دخل عليه سعد داعبه و قال:
(( هذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ))
[الترمذي عليه عن جابر]
حينما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم التقى سيدنا عمر بسيدنا سعد قال له: "يا سعد لا يغرنك أنك خال رسول الله فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه و بينهم قرابة إلا طاعتهم له فقط"، و أنت حينما تتعامل مع الله مباشرة، حينما يطلع على قلبك ليس فيه غل لأحد، حينما يطلع على عملك فإذا هو وفق شريعة الله عز وجل، حينما يجدك حيث أمرك، و يفتقدك حيث نهاك، أنت ولي من أولياء الله، و لو لم يكن لك مظهر الولي:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة يونس: 62-63 ]
التوحيد أخطر ما في الإيمان :
أخطر ما في الإيمان التوحيد، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها، الناس يخافون من أقطاب أرضية، تهديد من وحيد القرن يقلق العالم الإسلامي، تهديد واحد يقصف أو لا يقصف لا نعلم، هم حينما يخافون من أقطاب الدنيا يقعون في عذاب نفسي، قال تعالى:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
[سورة الشعراء: 213]
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران: 173-174]
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
أي يخوفكم من أوليائه:
﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
الأيام و الدهر و الحظ و القدر كلمات لا معنى لها في الدين إطلاقاً :
أخوتنا الكرام، هل من مصيبة في الأرض تفوق أن تجد نفسك فجأة في بطن حوت؟ في ظلمة بطن حوت، و في ظلمة البحر، و في ظلمة الليل البهيم، و مع ذلك نادى في الظلمات و كان هناك تغطية الحمد لله:
﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
[سورة الأنبياء : 87-88]
القصة انتهت جاء القانون:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الأنبياء : 88]
هذه واحدة، حديث آخر يقترب من هذا المعنى:
((يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ....))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
يقول لك: الأيام عاطلة، ما معنى عاطلة؟ ما هي الأيام؟ أي أنا أسوأ ما سمعت في حياتي بنشرة جوية أن الطقس عاطل أي يوجد مطر، لأن الأنيق الذي هو غارق في ملذاته تزعجه المطر، فالأيام عاطلة أية أيام هذه؟ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
((يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ...))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
خاب ظني بالدهر، خاب ظني بالأيام، الأيام، و الدهر، و الحظ، و القدر، هذه كلمات لا معنى لها في الدين إطلاقاً، ليس إلا الله:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
[ سورة الليل: 5-10 ]
العاقل من يعزو الأشياء إلى الله عز وجل لا إلى أسباب أرضية :
الآن قد تستمع أنت إلى نشرة جوية أن هناك منخفضاً متمركزاً فوق قبرص متجهاً إلى القطر، سرعته كذا، أحياناً الإنسان من خلال سماعه لهذه النشرات الجوية ينسى أن الله هو الذي ساق هذا السحاب، ففي الأحاديث القدسية حديث دقيق جداً:
((صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟..))
[ متفق عليه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ]
على إثر سماء أي على إثر مطر، و الله أنا حينما تنزل الأمطار و الله أسجد لله شكراً، لا ينبغي أن ترى هذه الأمطار منخفضات تتحرك و الأرصاد ترصدها، ينبغي أن تراها رحمة الله عز وجل، أي قبل أيام في تدمر نزل ثمانية و ثلاثون مليمتراً، هي معدل تدمر في العام كله بليلة واحدة، إذا أعطى أدهش، في ليلة واحدة نزلت أمطار العام كله:
(( فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ))
[ متفق عليه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ]
بنوء كذا و كذا، أي منخفضات، و سرعات، و سرعة الرياح، أنا لا أنكر أن تستمع إلى النشرة الجوية، لكن أنا أنكر أن تعزو الأمطار إلى أسباب أرضية، ينبغي أن تعزوها إلى الله عز وجل.
مثلاً أنا أقدم لكم بعض الشواهد: أحياناً في العام الماضي - و الفضل لله عز وجل- إنتاجنا من القمح خمسة ملايين طن - بفضل الله عز وجل- عن طريق الأمطار الغزيرة، في سنوات ستمئة ألف طن أقل من مليون طن، إذا أعطى أدهش، فأحياناً خمسة ملايين طن و أحياناً ستمائة ألف طن، قال:
((... فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ))
[ متفق عليه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ]
لذلك أنت لو استمعت إلى نشرات الأخبار، أو النشرات الجوية، يجب أن ترى أن يد الله تعمل وحدها، و أنه ما من عثرة ولا اختلاج عرق و لا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم و ما يعفو الله أكثر.
من رأى أن الأمور على خلاف ما يريد فليتهم نفسه :
التوحيد هو المطلوب، و حينما تتهم نفسك دائماً، و حينما لا تحابي نفسك أبداً، و حينما تتهم نفسك عند كل مشكلة لا ترضيك، أنت قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل، لأن الله عز وجل غني عن تعذيبنا:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾
[سورة الشورى: 30]
يقول الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد: 19 ]
التتمة:
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾
[ سورة محمد: 19 ]
إن رأيت أن الأمور كانت على خلاف ما تريد لا تتهم القدر، لا تتهم الدهر، لا تتهم الأيام السوداء، لا تتهم الحظ، هذه لا معنى لها، اتهم نفسك.
                                     والحمد لله رب العالمين

شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (01-31): يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي...

                              بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
وقفة قصيرة حول معنى الحديث القدسي :
أيها الأخوة الكرام، قبل أن نبدأ في شرح بعض الأحاديث القدسية، لا بد من وقفة قصيرة حول معنى الحديث القدسي.
أيها الأخوة، القدس، القدس بضم الحرفين أو تسكين الثاني، معناه الطهر، والأرض المقدسة الأرض المطهرة، وتقدست أسماء الله تنزهت عن كل نقص وعيب، وقد أضيف الحديث إلى الله عز وجل فقيل الحديث القدسي، بمعنى أن هذا الحديث مضاف إلى الله وحده، ذلك أن الله قد يلقي في روع النبي المعنى، وقد يريه في منامه هذا المعنى، وقد يأتيه عن طريق جبريل، وقد كلف النبي عليه الصلاة والسلام أن يصوغه هو، فالفرق بين القرآن الكريم وبين الحديث القدسي أن القرآن الكريم لا يكون إلا عن طريق جبريل، والنص من الله عز وجل، بينما الحديث القدسي يكون عن طريق المنام، ورؤيا الأنبياء حق، ويكون عن طريق الإلقاء في الروع:
(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها...))
[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]
إما عن طريق المنام، وإما عن طريق الإلقاء في الروع، وإما عن طريق جبريل، وإما عن أي طريق آخر، المعنى من الله عز وجل والصياغة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة :
من الأحاديث الشهيرة المتواترة في الصحاح:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي...))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
فهذا الكم الكبير من المسلمين الذين يخوضون في القضاء والقدر يريدون أن يعرفوا كنه الذات الإلهية وهذا مستحيل، لأن:
(( تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))
[ورد في الأثر]
أنّى لهذا الإنسان الضعيف المحدود أن يحيط بالله عز وجل! ألا يكفينا أنه يوجد آيات كثيرة تقترب من المئة، وأحاديث صحيحة كثيرة، تؤكد أن الله لا يظلم، أليس هذا هو الطريق الأقصر؟ ألم يعلم المؤمن أنه لا يمكن أن يصل على عدل الله بعقله إلا بحالة واحدة أن يكون له علم كعلم الله، وهذا مستحيل يقول الله عز وجل:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي...))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
تحريم ذاتي ألم يقل الله عز وجل:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 56 ]
ألم يقل الله عز وجل:
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
[ سورة غافر: 17 ]
﴿ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
[ سورة النساء: 77 ]
لا فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً؛ الفتيل خيط بين فلقتي نواة التمر .
﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء: 47 ]
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
[ سورة الزلزلة: 7-8 ]
كل هذه الآيات، وتلك الأحاديث، وهذا الحديث القدسي ألا يقنعك أن الله لا يظلم؟ لا بد من أن تخوض في القضاء والقدر، فتارة تنفي علم الله عز وجل، وتارة ترى رؤية ليست صحيحة فتتكلم على الله ما لا تعلم.
ترتيب المعاصي في القرآن الكريم ترتيباً تصاعدياً :
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل حينما رتب المعاصي في القرآن الكريم رتبها ترتيباً تصاعدياً، فبدأ بالإثم والعدوان، والفحشاء والمنكر، والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي:
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة البقرة:169 ]
فالله في هذا الحديث القدسي الصحيح يقول:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
الظلم ظلمات يوم القيامة:
(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))
[ متفق عليه عن عبد الله بن عباس ]
قبل أن تظلم، قبل أن تأخذ ما ليس لك، قبل أن تلصق تهمة بإنسان بريء، قبل أن تستغل قوتك فتسحق من تحتك، قبل أن تستغل مكانتك فتغطي على من قدم لك خدمةً:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
إياكم أن يظلم بعضكم بعضاً، قد يظلم الزوج زوجته، وقد تظلم الزوجة زوجها، والله بالمرصاد، وقد يظلم الأخ أخاه، وقد يظلم الشريك شريكه، وقد يظلم الجار جاره، بل إن بعض العلماء له مقولة أرددها كثيراً: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر، أغروه بحلي نسائهم كرشوة، فقال: والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وبهذا غلبتمونا، ولن نغلب أعداءنا إلا إذا أقمنا العدل في حياتنا، بهذا قامت السموات والأرض، وبهذا غلبتمونا، إنسان قدم نفسه في سبيل الله هل من جود فوق هذا الجود؟ هل من كرم فوق هذا الكرم؟ هل من تضحية فوق هذه التضحية؟
(( يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذَنْب إلا الدَّيْنَ ))
[مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
أن تأكل حق الناس هذا ظلم، كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يصلي على صحابي جليل عليه دين، يقول أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم، يقول: صلوا على صاحبكم، فإن قال أحد أصحابه: عليّ دينه يا رسول الله، سأل هذا الضامن: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله مرة ثانية: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله مرة ثالثة، أأديت الدين؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: الآن ابترد جلده .
حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله مبنية على المسامحة :
أيها الأخوة الكرام، حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، هناك وهم خطير أن الإنسان إذا حج بيت الله الحرام يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يرجع من ذنوبه التي بينه وبين الله حصراً، أما الذنوب التي بينه وبين العباد فلا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة، والذي يصوم رمضان، ويقوم رمضان، ويتوهم أنه إذا صام رمضان وقام رمضان غفر الله له ما تقدم من ذنبه،أجمع العلماء أنه يغفر ما تقدم من ذنبه الذي بينه وبين الله فقط، أما ما بينه وبين العباد فهذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا يا عبادي، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه...))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران: 73]
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾
[سورة هود: 28]
الهدى هدى الله، ومن لم يكن على منهج الله فهو على الباطل حتماً، لأنه لا طريق ثالثة إلا الحق أو الباطل.
من لم يكن على منهج الله فهو على الباطل حتماً :
أيها الأخوة:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[ سورة القصص: 50]
ما بعد الحق إلا الضلال:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[سورة الجاثية: 6]
إن لم تكن على منهج الله فأنت في الباطل حتماً:
((...يا عبادي، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه، فاسْتَهدُوني أهْدِكم... ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
اطلبوا الهدى من الله لا تطلبوا الهدى من أهل الغرب، ولا من علماء الغرب، ولا من علماء النفس، اطلبوا الهدى من الله، من الذي خلقنا، من الذي يربينا، من الذي أنزل القرآن الكريم:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
[ سورة قريش:4]
الأمطار أحد أسباب الرزق، فحينما تهطل الأمطار ترتج الأرض وتنبت النبات الطيب، إذاً:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز :
يقول الله عز وجل:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾
[سورة طه:132]
معنى ذلك أنك إذا أديت العبادات الله عز وجل يوفر لك رزقك، ورزق أهلك في البيت:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
اطلب الرزق من الله:
((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس))
[ورد في الأثر ]
الدعاء الذي أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم ارزقني طيباً واستعملني صالحاً":
(( ... يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أَكْسِكم... ))
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ... ))
[ مسلم عن أبي ذر]
يجب أن نعلم علم اليقين أن تقنين الله لا يمكن إلا أن يكون تقنين تأديب لا تقنين عجز:
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾
[ سورة الحجر: 21]
ذكرت لكم مرة أن اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، فإذا قنن الله الأمطار تأديباً:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
[ سورة الأعراف 96 ]
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
[ سورة الجن: 16-17 ]
الرزق من الله عز وجل :
إذاً الرزق من الله عز وجل:
(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب - وهناك زيادة ببعض الروايات - واستجملوا مهنكم...))
[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]
إياك أن تبحث عن مورد رزق مشبوه لأن الله تكفل لك برزقك، كنت أضرب على ذلك مثلاً: أن بستاناً فيه شجرة تفاح على الغصن الثالث تفاحة، هذه لك لن يأكلها غيرك، ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك، لا سمح الله ولا قدر قد يأخذها إنسان سرقة، وقد يأخذها تسولاً، وقد يأخذها ضيافة، وقد يأخذها هديةً، وقد يشتريها بماله، طريقة وصول الطعام إليك باختيارك، أما حينما خلق لك هذا الفم فلا بد من أن يرزقك لقوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾
[سورة الروم: 40]
الله عز وجل لا ينزل مصيبة من دون سبب :
إذاً:
(( يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
إبرة غمستها في مياه البحر المتوسط ثم رفعتها كم حملت من الماء وكم نقص من ماء البحر؟
((.... ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام - موطن الشاهد بآخر فقرة وهي أخطر فقرة في الحديث - فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
لا تلم القدر، لا تقل: لا حظ لي، لا تقل: أنا لست مرزوقاً، الله لا يحبني:
((.... فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
ابحث عن الخلل في إيمانك، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في علاقاتك الاجتماعية، ابحث عن سبب قلة الرزق، الله عز وجل لا يمكن أن ينزل مصيبة من دون سبب:
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[ سورة الشورى: 30 ]
من حاسب نفسه أثنى الله عليه :
إذاً:
((.... فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
فأنت حينما ترد الكرة عن ملعبك، أنت حينما تأتي الأمور على خلاف ما تريد وتحاسب نفسك حساباً دقيقاً، لعلي أخطأت في كسب المال، لعلي حلفت يميناً ليست كما ينبغي أن تكون، لعلي قصرت في أداء حق، فهذا الذي يقول لعلي ولعلي أثنى الله عليه، قال تعالى:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
[ سورة القيامة: 1-2]
فهذا الحديث أيها الأخوة:
(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
                                          والحمد لله رب العالمين

جميع الحقوق محفوظة @ 2013 اسلام ويب .

Designed by Templateism